تحت عبء النزوح.. كيف يحول تدفق النازحين والمهاجرين الأزمة الإنسانية باليمن إلى كارثة ممتدة؟
تحت عبء النزوح.. كيف يحول تدفق النازحين والمهاجرين الأزمة الإنسانية باليمن إلى كارثة ممتدة؟
يواجه اليمن اليوم أحد أعقد اختبارات الطوارئ الإنسانية في العالم، حيث تصاعدت الضغوط على المجتمعات المحلية وخدماتها مع وجود نحو 4.8 مليون نازح داخلي، إلى جانب عشرات الآلاف من المهاجرين العابرين واللاجئين الذين يجدون في اليمن محطة عبور أو ملاذا هشا، وهذا المزيج من النزوح الداخلي والهجرة العابرة يضاعف الاحتياجات ويعقّد عمليات الحماية والإغاثة ويقلص هامش قدرة المجتمع الدولي والسلطات المحلية على الاستجابة الفعالة، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
أسباب تراكم الأعباء
تتقاطع ثلاثة عوامل رئيسية لإحداث هذا التفاقم تتجسد في سنوات الصراع المستمرة التي مزقت شبكات الأمن الاجتماعي، والتغير المناخي والكوارث الطبيعية التي أدت إلى فيضانات واسعة ونزوح موسمي، وأخيرا تزايد تدفقات المهاجرين من القرن الإفريقي الذين يستخدمون اليمن كطريق عبور نحو دول الخليج، وقد أعاق الصراع المكثف قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية واستمرار اقتصاد هش، بينما فترات الأمطار الشديدة والفيضانات في بعض السنوات أدت إلى نزوح مئات الآلاف واضطراب المحاصيل والبنية التحتية.
تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن نحو 19.5 مليون شخص في اليمن بحاجة للمساعدة في 2025، ما يجعل البلاد من أكبر مراكز الاحتياج الإنسانية عالمياً، وفي الوقت نفسه، فإن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2025 تطلب تمويلاً بمليارات الدولارات لكنها تلقى إسهامات ضئيلة، إذ أبلغت تقارير أن الخطة كانت ممولة بنسبة ضعيفة للغاية في منتصف العام، ما فرض تقليصات في خدمات أساسية كالطعام والمياه والصحة والحماية، هذا الفارق بين الاحتياج والتمويل يعيد إنتاج دوامات نزوح جديدة ويقلص قدرة المنظمات على تقديم دعم مستدام للنازحين والمهاجرين.
مخاطر وتداعيات
النازحون داخل اليمن يواجهون فقدان المأوى، ونقص الغذاء، وضعف الحماية، بينما يتعرض المهاجرون القادمون من القرن الإفريقي لشبكات تهريب وإساءة واحتجاز أحياناً في ظروف قاسية، وخلال العامين الأخيرين سُجلت حوادث مأساوية لعبور البحر أو غرق قوارب؛ كما أدت ضربات على مواقع احتجاز المهاجرين إلى سقوط قتلى وإصابات أثارت إدانات حقوقية ودعوات للتحقيق، وضعف الوصول الإنساني نتيجة القيود الأمنية واعتقالات موظفي الإغاثة في بعض المناطق يزيد من هشاشة الاستجابة، وفق "أسوشيتد برس".
التحول السريع في أعداد النازحين والوافدين يضغط على الأسواق المحلية والمرافق الصحية والتعليمية والمياه والصرف، ويغذي المنافسة على الوظائف والموارد، ما يفاقم التوتر الاجتماعي بين السكان المستضيفين والفقيرات، واقتصادياً يصبح تمويل الإغاثة المؤقتة بديلاً عن استثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية، ما يعطل فرص التعافي ويزيد الاعتماد على المساعدات الخارجية. إقليمياً تستمر اليمن كممر خطير للمهاجرين العابرين، ومع ذلك فإن انعدام مسارات هجرة منتظمة يفضي إلى مخاطر إنسانية واسعة، وحوادث بحرية مروعة تؤثر على دول الإقليم والدول المصدّرة للهجرة.
ردود فعل المنظمات الأممية والحقوقية
دعت وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة ومنظمات إغاثية كبرى، إلى زيادة مالية فورية وضمان حماية اللاجئين والنازحين، كما طالبت منظمات حقوق الإنسان بتحقيقات مستقلة في حوادث وفاة المهاجرين والضغط من أجل الإفراج عن موظفي الإغاثة المحتجزين ورفع العراقيل أمام الوصول الإنساني، كما حذّر المنتقدون من أن أي سياسة ترحيل أو تقييد لحركة المهاجرين دون ضمانات حماية فردية قد تنتهك التزامات دولية أساسية.
يظل القانون الدولي الإنساني وقواعد حقوق الإنسان مرجعاً أساسياً لحماية النازحين والمهاجرين فعلى الدول والجهات المسيطرة تهيئة الظروف التي تضمن عدم إعادة قسرية للاجئين، والحماية من التعذيب والتمييز، وضمان وصول المساعدات دون عوائق، كما تلزم الالتزامات الدولية الدول المضيفة وممولين العمل الإنساني بتقديم الحماية الأساسية وإجراءات تقييم الحاجات قبل أي إعادة أو ترحيل وفق مكتب الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة.
ثغرات الاستجابة وفرص التدخل
أمام هذه الصورة، تبرز عناصر أساسية يجب التركيز عليها تتمثل في تمويل عاجل ومستدام لخطة الاستجابة اليمنية، وآليات حماية ومراجعة فردية لحالات العائدين أو المهاجرين، وبناء قدرات المجتمعات المستضيفة في توفير الخدمات، وتعزيز أطر إنسانية-قانونية لحماية المهاجرين من شبكات التهريب، كما يتطلب الأمر تنسيقاً إقليمياً للتعامل مع مسارات الهجرة عبر البحر والبر، وتوسيع برامج الحلول الدائمة بما في ذلك فرص العمل وإعادة الإعمار المحلي المدعوم دولياً.
أزمة النازحين والمهاجرين في اليمن ليست حملاً محلياً فحسب؛ هي اختبار للالتزامات الإقليمية والدولية في زمن متعدد الصدمات، وفشل التمويل والتضييق على الوصول الإنساني وجرائم الانتهاك ضد المهاجرين والنازحين يخاطر بتحويل أزمة إنسانية مؤقتة إلى أزمة متفاقمة على مر الأجيال.